بقلم: نوره السويطي تصوير: محمد جاسم شعر: كليو مكياج: شارلوت تيلبري
لقاءنا اليوم مميز وخاص وحصري مع شخصيتين مميزتين استطاعتا من خلال جهودهما في المجال التطوعي وتنمية المجتمع، على تعزيز دور المرأة وتمكينها وعلى نشر ثقافة العمل التطوعي على المستوى المحلي والإقليمي.
سنحت لنا الفرصة أن نلتقي مع الشيخة فادية سعد العبد الله الصباح وابنتها الشيخة نبيلة سلمان الحمود الصباح في مكان مميز يعبق بروح وذكريات الماضي الجميل ألا وهو قصر الشعب، هذه التحفة الفنية التي تمزج الفن العربي والإسلامي بالفن الأوربي، يحمل القصر بين طياته ذكريات ومواقف رجل أحبه شعبه لإخلاصه وولاءه لوطنه ، الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح رحمه الله.
الجدير بالذكر بأن لأول مرة يتم السماح بالتصوير للقاء الصحفي في القصر، لذلك يتقدم موقع عود بالشكر والامتنان لهذه الثقة. استقبلتنا الشيخة فادية سعد العبد الله الصباح وابنتها الشيخة نبيلة سلمان الحمود الصباح بحفاوة وكرم غامرين، وهذا ليس بغريب من اسرة عرفت عنها الكرم والجود والأصالة.
وأصرت الشيخة فادية والشيخة نبيلة على ارتداء الملابس والمجوهرات والأحذية المصممة من قبل مصممات كويتيات لهذا اللقاء الصحفي لإبراز قدرات المصممات الإبداعية ولدعمهم، وإيماناً بمواهبهم.
رئيسة الجمعية الكويتية التطوعية النسائية لخدمة وتنمية المجتمع ورئيسة االتحاد الكويتي للجمعيات النسائية التطوعية وكذلك مبرة السعد للمعرفة والبحث العلمي، ما الذي دفع الشيخة فادية سعد العبد الله الصباح لتكريس حياتها لهذه الأعمال التطوعية؟
في بداية إهتماماتي مما يدور بالشأن العام. تأثرت بحكمة وقيادة والدي رحمه الله. فقد كان رجل دولة وصاحب آراء حاسمة وحازمة ومواقف راسخة. كما كان لدور والدتي حفظها الله أثر كبير في تكوين شخصيتي الإنسانية والخيرية. فقد كانت حفظها الله رائدة في العمل التطوعي ومبادرة في العمل النسائي التطوعي في الكويت. فقد تربيت وترعرعت في بيئة ومناخ يحث على البذل والعطاء للوطن وأهل الكويت. وانعكس هذا المناخ في قيام الوالدة حفظها الله بتأسيس "جمعية الرعاية الإسلامية" عام ١٩٨٠.
كما أنشأت مراكز تحفيظ القرآن للسيدات في الكويت. ثم قامت بعد تحرير الكويت من براثن العدوان العراقي الغاشم بتأريخ وتوثيق دور المرأة الكويتية إبان الاحتلال. بتأسيس وإنشاء الجمعية التطوعية النسائية. ثم أنشأت الاتحاد الكويتي للجمعيات النسائية لتوحيد موقف المرأة الكويتية وتمثيلها في المحافل الدولية والاقليمية. وقد صاحبت الوالدة في تأسيس هذه الهيئات وساهمت في بلورة رؤيتها وأهدافها ثم تعاوننا ونخبة من المتخصصين والأكاديميين في إنشاء لجنة شئون المرأة. وكانت لنا اليد العليا في تأسيس منظمة المرأة العربية التابعة لجامعة الدول العربية.
ومن هذه التجارب العلمية والعملية، استلمت إدارة التطوعية في بداية حراكها، وأثناء ذلك تزوجت وأنجبت أربع أولاد وخصصت كل وقتي لتربيتهم ورعايتهم، وبعد إتمامهم مراحل الدراسة ورغبة من والدتي بالتنحي عن العمل العام والتطوعي، تحملت المسئولية وبدأت في إكمال مسيرتها بتطوير العمل وتحديث آلياته بما يتناسب ويتواكب مع النهضة الثقافية والحضارية التي نشهدها كل يوم لا سيما في ظل انتشار جائحة كورونا. حيث حصل تغيير كبير في وسائل وطرق الاتصال وطريقة التعامل بين الناس، وهي أمور نسعى لتطورها لخدمة العمل الاجتماعي في الكويت وتوسيع عمل هذه المؤسسة لملامستها كل من في المجتمع.
حدثينا عن عملك في الجمعية الكويتية التطوعية النسائية لخدمة وتنمية المجتمع وأهم القضايا التي تبنيتموها.
مثل ما ذكرت سابقا، الآن أصبحت المرأة موضوع عالمي واهتمام رئيسي لكافة برامج المنظمات الدولية. قد كانت الكويت سباقة في الانضمام لعضوية منظمة الأمم المتحدة. والتزمت بخطة التنمية ٢٠٣٠ وأدرجت ضمن الخطة بندين ضروريين يخصون بتمكين المرأة وتطوير قدراتها في اتخاذ القرار.
ونحن نسعى جاهدين لتعاون منظمات المجتمع المدني مع المنظمات الدولية وذلك بهدف إنشاء شراكة مجتمعية بين جهات العمل التطوعي ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسات الدولة من وزارات وهيئات حتى يتم ملامسة كل المشاكل المجتمعية التي تخص المرأة والطفل والشباب وإلقاء الضوء على حث المجتمع لمناهضة العنف ضد المرأة وأعمال القوانين الموجودة في الكويت وتفعيلها. لذلك فنحن نأمل من مجلس الأمة والمسئولين أن ينتهون بالعمل الجماعي المتكامل مع منظمات المجتمع المدني لتوصيل رسالة الهيئات للسلطة التنفيذية والتشريعية ، بحيث أن القوانين السارية تسمح بتطبيق العقوبات على من يتعمد العنف ضد المرأة.
دعمك اللامتناهي لتمكين المرأة وتعزيز قضاياها ودورها في المجتمع وكذلك دعم وتطوير الشباب والأنشطة التطوعية بشكل عام له بصمة واضحة في مجتمعنا. ما هي أكبر عقبة واجهتك منذ أن بدأت وكيف تغلبت عليها؟
العقبة هي سوء فهم معنى العمل التطوعي فى المجتمع لدى الكثير من الناس. فالعديد يرونه عمل خيري أو تبرع مادي أو أي عمل متصل بهذه الناحية فقط وهو التبرع المادي ولا يرونه بمنظوره الحقيقي. ونحن بصدد تنوير الشعب من هذه الناحية.
وبالنسبة لقضايا المرأة فنحن لا نعمل ضد الرجل وهناك معلومات خاطئة بهذا الشأن والرجاء التوضيح. فنحن هنا للعمل جنبا بجانب الرجل ونحن خير ما نساند الرجل ولكن المطلوب أخذ الحقوق الكاملة وذلك لخدمة المجتمع بجميع فئاته. فنحن نرحب بوجود الرجل في الجمعيات والمبادرات التي نقوم بها ذلك فهناك دائما من يشاركنا ويساندنا من الرجال المؤمنين بالعمل التطوعى وبقضية المرأة.
تترأسين حاليا مبرة السعد للمعرفة والبحث العلمي والتي تأسست في ٢٠٠٩ ، ما الدافع وراء إنشاء المبرة؟
بعد وفاة الوالد الشيخ سعد رحمة الله عليه فضلت أن أقوم بعمل وأشرف عليه بالكامل بنفسي وأنشأ مبرة، فبالكويت ولله الحمد يوجد الكثير من المبرات لعمل الخير فى العديد من المجالات. ولكن رغبت فى عمل مبرة بشكل مختلف هدفها البحث العلمي والمعرفة وكل المبادارات لهذه المبرة مهتمة بتشجيع الشباب والنساء بجميع الفئات العمرية على الدراسة والأبحاث العلمية ومن ثم اتجهنا إلى الأعمار الصغيرة، فنحن نؤمن بأن تقدم وازدهار المجتمع مرتبط دائماً بالبحث العلمي ومدى قوته وتأثيره.
استطعنا أن نتواصل مع الفئات العمرية للمرحلة الابتدائية. هدفنا هو غرس العلم والمعرفة والبحث العلمي لهذه الفئة، فقمنا في عام ١٩٩٩ بإطلاق مسابقة الشيخة فادية السعد العلمية والتي تتولى رئاستها ابنتي الشيخة نبيلة. المسابقة تدفع الشباب للعمل التطوعي ويتم التواصل مع هذه الفئة عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي.
بما أن المبرة تحمل هذا الاسم، مبرة السعد، أدعو الله أن يقدرنا دائما للعمل بما فيه الخير. ونحن بصدد إنشاء جائزة دولية بإسم مبرة السعد واسم الوالد رحمه الله بالتعاون مع منظمات عالمية وان شاء الله سنفصح عنها بالوقت المناسب.
هل يوجد بينكم وبين الفرق التطوعية المختلفة الموجودة في الساحة الكويتية تنسيق؟ وما هي أشكال هذا التنسيق؟
هذا أساسي ومن مسلمات العمل المجتمعي وآليات الشراكة المجتمعية. فالتنسيق قائم بين الجمعية ومعظم اللجان النسائية التابعة للجمعيات. وهناك فعاليات مشتركة مع جمعية المحامين والخريجين والمعلمين فيما يخص قضايا المرأة والطفل، كما تم عمل ندوات توعوية للمجتمع مثل الندوة التى أقمناها مع جمعية المحامين فيما يخص المرأة وحقوقها. وهذه هي المشاركة بين المجتمع المدني والدولة كما نصت شروط الأمم المتحدة.
وهذه السنة تم العمل بعد نتائج الانتخابات التي كانت متوقعة ولكنها مخيبة للآمال بعدم دخول المرأة للبرلمان علما بأن البعض حصل على أرقام عالية ولكن لم تكن كافية للنجاح والدخول الى المجلس ولكن ان شاء الله مع تغيير القانون الانتخابات، قد يكون للمرأة فرصة أكبر للتمثيل السياسي. لدينا كفاءات نسائية مميزة لكن أعتقد بأن المجتمع في الوقت الحالي لم يعتاد على رؤية المرأة في هذا المحفل الكبير ويرى أن موضوع الحصة النسبية غير دستورية ووسيلة غير جيدة لوصول الى النساء الى البرلمان، ولكن أعتقد هناك الكثير من الوسائل إذا أعتمدت ستسهل وصول المرأة الى البرلمان، مثال على ذلك اعتماد القوائم الانتخابية حيث تنتخب القائمة ككل ومنها يتسنى وجود تمثيل للمرأة بالبرلمان.
الدول التي تنظر بعين الاعتبار لدور المرأة السياسي سنحت الفرصة للمرأة للوصول إلى مراكز متقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية حيث أن نائب الرئيس امرأة ومن الأقليات أيضا. من المجحف أن نرى المرأة الكويتية تواجه العديد من العثرات للوصول إلى مراكز سياسية متقدمة. ومن أجل ذلك تبنينا إطلاق مبادرة الأستاذة الجامعية والناشطة السياسية والتطوعية د. هيلة المكيمي ألا وهي مبادرة "لقاء البرلمانيات" التي تسعى لنشر الوعي السياسي على مدار السنة بدلاً من أن يكون قبل الانتخابات بفترة وجيزة.
ما مدى تأثير الوالد الأمير الراحل الشيخ سعد العبد الله الصباح والوالدة الشيخة لطيفة الفهد في صقل شخصية الشيخة فادية. وكيف كانت علاقتك معهم؟
الوالد رحمه الله والوالدة حفظها الله يمتد تأثيرهما خارج نطاق عصرهم والجيل الذي يذكرهم فما بالك بتأثيرهما على من تربى بينهم بكل هذه الهالة التي كانوا عليها. من المستحيل للشخص الذي يكبر ويتربى بهذا البيت ألا يتأثر بشخصياتهم ويتشبع منهم.
أبي وأمي يعرفهم جميع الكويتيين، لا توجد كلمات لوصفهم، كنت مثل الإسفنجة التي تتشرب منهم كل شيء وأهم ما تعلمته منهم هو معنى الوطنية والإنصاف، تعلمت منهم اللباقة في كل شيء، الفكر والكلام وعلاقاتي مع الآخرين. فالإنسان كل ما زاد مرتبة وعلم يزداد تواضعا وهذا كان حال أبي وأمي. هذا فضل من ربي أن أولد وأتربى في مثل هذا النموذج الأسري المتكامل، وأن أسخر هذا التأثير لفائدة المجتمع نحو كويتنا الحبيبة.
ما هو أهم إنجاز لكم حققتموه في الفترة الماضية من خلال أنشطتكم التطوعية؟
بالكويت يوجد العديد من المشاريع التطوعية. لا أؤمن بمقولة أهم إنجاز، فكل عمل قد شاركت فيه أو قمت به اعتبره مهم ومقتنعة ١٠٠٪ ، فأي عمل إيجابي يقوم به الانسان لخدمة مجتمعه والبشرية يعتبر إنجاز مهم.
ما النصيحة التي تقدمينها لتحفيز الفتاة الكويتية على المشاركة في الأنشطة التطوعية؟
أنا متأكدة أن في الكويت يوجد العديد ممن له الرغبة في التطوع. وأنصح كل إمرأة بتخصيص ولو حتى ساعتين في الإسبوع للعمل التطوعي، فديننا وعاداتنا ومجتمعنا ونهضتنا تحثنا على أن نكون جميعنا من المبادرين، فبالكويت يوجد العديد من الجمعيات التى تمارس العديد من الأنشطة المختلفة فى جميع المجالات.
لا يوجد عمل يستهان به فالعمل البسيط من وجهة نظرك من الممكن أن يكون له تأثير كبير لدى شخص آخر. فلابد أن نكون إيجابيين لا ننتقد فقط بل نحاول أن نشارك فى التغيير لنكون إيجابيين. الشباب هم عماد البلد ويجب مشاركتهم الفعالة فى التغيير والتقدم بدلاً من الجلوس لفترات طويلة أمام الانترنت.
في تقديرك كناشطة في الحقل الإنساني، كيف يمكن تطوير العمل التطوعي؟
العمل التطوعي فى الكويت مبنى على أسس حديثة. فكل جهة لها دورها. وتأثير الكويت مقارنة بحجمها على المستوى العالمى هو كبير جدا وفعال. الكويت كدولة ترعى الفرد بكثير من الأمور المعيشية. نجد أن المجتمع المدني يتكاسل مرات وغير فعال مرات لكن هذا لالسف خطأ يجب ان يتداركه المجتمع المدني وأن يكون فعال خصوصا الآن بعد أزمة كورونا وتداعياتها الصحية والاقتصادية. يجب أن توضع ضوابط للعمل التطوعي ويجب على الفرد أن يكون مسؤول لأن هذه الموارد التي نتمتع فيها هي غير ملكنا ومسئوليتنا هي الحفاظ عليها وتسليمها للأجيال القادمة.
الخطاب الشعبي ودغدغة مشاعر الناس لا تجوز الآن في هذه الأوضاع التي نحن في صددها ويجب مواجهة الناس بكل صراحة وعلى المجتمع المدني دور كبير في مساندة الدولة. فالبنوك والشركات التجارية جميعها عليها مسئولية اجتماعية بمواجهة هذا الأمر بجدية والمحافظة على موارد الدولة. فالكويت هي الكيان الباقي ونحن الكيان الزائل فلا ننظر لهذه المواضيع باستخفاف. يجب على المجتمع المدني أن يساهم بصدق وصراحة نحو المسئولية التي بعاتقه.
شعورك وانت تقومين بعمل يساهم في خدمة ابناء مجتمعك ماذا اضاف لك على المستوى الشخصي والانساني ؟
الشيخه فادية
قال تعالى: «فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره.. ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره»، هذه الآية الكريمة تلخص إيمانى على المستوى الشخصي بالبركة في أبنائي وصحتي ومالي. البركة جند خفي من جنود الله يرسلها الله لمن يشاء إذا حلت في المال كثرته وفي الولد أصلحته وفي الجسم قوته وفي الوقت عمرته وفي القلب أسعدته. هذا الذي أطلبه من الله سبحانه وتعالي وهذا الذي أستشعره. فالعمل اإلنسانى هو من يعطينى لست أنا من أعطيه.
تأثرت الكثير من جمعيات النفع العام بشدة من جراء جائحة COVID-19 ، كيف كان تعاملكم مع هذه الجائحة؟ وماذا تعلمت منها؟
اضطررنا للتكيف مع الجائحة، قمنا في البداية بتقديم المساعدة الإنسانية لمن تقطع بهم السبل في الكويت وتوفيرالغذاء ومساعدتهم. استطعنا انشاء فرق عمل ونساهم قدر ما يمكن في هذه المسألة وأيضا تعاوننا مع الدفاع المدني ثم بدأنا تكوين فرق نسائية هدفها التواصل مع النساء عن بعد والتطرق للمشاكل التي ممكن أن تواجه المرأة في أثناء الأزمة والحظر الكلي وكيفية تقضية الوقت مع أفراد أسرتها زوجها وأولادها بما يضفي شعور إيجابي لهم.
كنا نحاول رفع الروح المعنوية عن طريق التواصل الاجتماعي والانستغرام والبث الحي مع متخصصين في هذا المجال. وبدأنا بعمل الندوات مثل ندوة العنف ضد المرأة وتم عملها بطرق التواصل عن بعد وسوف نقوم بعمل ندوة جديدة لمناقشة تطوير أساليب التعليم أثناء الجائحة ونشر الوعي عن أهمية التطعيم والعديد من الأمور التي تعتبر من واجبنا أن نقوم بها.
في أثناء الأزمة قمنا بالتعاون مع منظمة المرأة العربية بدورة كانت ناجحة جدا لتمكين المرأة لمدة ثالث أيام وكانت المشاركة كبيرة وناجحة. ووقعنا مذكرة تفاهم مع منظمة المراة العربية ونطمح لمزيد من التعاون معهم. من الدروس المهمة التي التمسناها خلال هذه الأزمة هو التغير الذي حصل في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث كان اهتمام الناس بالفاشينستات والشخصيات السطحية التي لا تضفي قيمة، اكتشف العالم حقيقتهم، وأدركنا أن الأبطال الحقيقيين هم أهل العلم من الأطباء والممرضات وجميع من كان في الصفوف الأولى.
حيث كانت هذه ضربة نصح من ربي وتوعية لنا كمجتمعات ان الزيف الذي كان يغشي أعيننا وكل هذه الماديات هي أمور سطحية لا تضفي لنا شيء. فعلينا كلنا كمجتمع نصحح هذه المفاهيم وإنهائها للأبد بلا رجعة لها.
في زيارة للأميرة ديانا في الكويت سنة 1989 مع الأمير تشارلز، قام الوالد المرحوم الشيخ سعد العبد الله والشيخة لطيفة الفهد بوليمة عشاء في قصر الشعب. حدثينا عن هذه الزيارة وانطباعك عنها. كيف كانت أجواء اللقاء وماذا ترك في نفسك من أثر؟
الشيخه فادية: الوالد الله يرحمه بطبيعته كان دائما اجتماعي ودائما يشرك أسرته في نشاطه السياسي ومنها زيارة الرؤساء، وكانت زيارة الأمير تشارلز والأميرة ديانا هي واحدة من الزيارات التي حرص الوالد إقامة وليمة لهما.
والجدير بالذكر بأن كان كل زيارة رسمية من أي وفد أو مسؤول دولة من خارج الكويت يحضر مع زوجته، كان لابد أن يقام له حفل عشاء في قصر الشعب وبوجود الوالدة حفظها الله ووجودنا. فالوالد رحمه الله كانت بالنسبة له الأسرة شيء مهم واشراكنا في الجانب الاجتماعي من حياته السياسية ضروري، عندما نرى طريقة بناء قصر الشعب وهدفه نرى إنه سخ لخدمة الدولة في مثل هذه المراسيم. وكان الحديث مع الأمير تشارلز ذو شجون وأدى الى تقارب بالفكر والتحدث عن العوامل المشتركة بيننا.
كنا نأمل بعمل مشترك بين المؤسسة الخيرية التي يرعاها الأمير تشارلز ومبرة السعد لكن للأسف الظروف لم تسمح بوقتها وتم تأجيله في وقت آخر بأمل تنفيذها بعد الانتهاء من هذه الظروف بإذن الله.
أول من سكن منطقة الشْعب كان الشيخ سالم المبارك الصباح الذي بنى قصر الشْعب عام .1916 وأجرى عليه الشيخ عبدالله السالم الصباح تعديلات خلال حكمه من عام 1950 وحتى .1965 حدثينا عن التاريخ المعماري للقصر وذكرياتك فيه.
الشيخه فادية: بيت مبارك الكبير (أسد الجزيرة) كان هو أول سكن للشيخ سالم المبارك الصباح، كان يسمى السكن "بالبيت الكبير" وموقعه بالقرب من قصر السيف، ومن ثم انتقل سكن الشيخ سالم المبارك إلى منطقة الشعب والتي تطل على البحر ولها جاذبيتها في ذلك العصر وكان يطلق اسم "البيت الصغير" على هذا السكن للتمييز بينه وبين "البيت الكبير"، وعندما توفي الشيخ سالم ورث البيت أبنه الأكبر الشيخ عبد الله السالم حيث كان القصر كرسي الحكم والمعروف بأن عصره عصر نهضة الكويت وبناء الدولة الحديثة وكان في عهده الاستقلال، والدستور، وبناء المؤسسات، وتواجد الكويت في المنظمات الدولية والأمم المتحدة والجامعة العربية وغيرها كما حدث البلد أيضا بعمل تطويرات على قصر الشعب باستقبال رؤساء البلدان من الخليج والدول العالم حيث الكويت انفتحت.
ومن بعدها بنى والدي قصر السالم كمنزل له فطلب منه والده الشيخ عبد الله السالم بأن يكون قصر السالم لضيافة الدولة حيث لبى الشيخ سعد الصباح رحمه الله هذه الدعوة وتنازل للدولة عنه وعند وفاة الشيخ عبد الله انتقل هذا المكان الى الشيخ سعد وطور فيه.
الترميم والتغييرات في الديكور كلها كانت من ذوق الوالدة الشيخة لطيفة حفظها الله وزينته بالفن الإسلامي التي جمعته خلال زياراتها للدول الإسلامية، وكذلك بالمنقوشات المغربية والدمشقية وكل ما جمعته على مدى حياتها. للأسف تم حرق المنزل خلال فترة الاحتلال العراقي للكويت وأصرت الوالدة إعادة بنائه من الألف الى الياء وكل هذا الجهد الذي بذلته منذ البداية حيث إصرارها لإرجاعه مثل ما كان عليه وأفضل أيضا حيث كانت مملكتها والوالد رحمه الله يثق بذوقها وأصبح القصر كالمتحف في قاعاته ومداخله.
نلاحظ مؤخرا انخراط ابنتك الشيخة نبيلة في العمل معك في المجال التطوعي. هل هذا كان بإختيارها الشخصي؟ وكيف تم ذلك؟
نعم كان بإختيارها الشخصي وعندي ثلاث بنات ولكن الشيخة نبيلة وجدت نفسها في العمل التطوعي، وأنا بالنسبة لها الرئيسة داخل مبنى الجمعية التطوعية، ووالدتها في المنزل. وأنا أعتبر بأن عملي التطوير وهو عمل مؤسسى لكل الجمعيات التي أرأسها، والشيخة نبيلة استلمت جانب من مدرسة الشهيدة أسرار القبندي ثنائية اللغة ونحرص على تقديم أهم الخدمات مع فرض رسوم دراسية القليلة مقارنة بالمدارس الثنائية اللغة الاخرى.
الشيخة فادية والشيخة نبيلة بذلتما العديد من الجهود لدعم المسيرة التعليمية. فالشيخة نبيلة سلمان الحمود الصباح رئيسة مبادرة ابتكار ومسابقة الشيخة فادية السعد العلمية، حدثونا عن فكرة المبادرة وأهدافها والفئات المستهدفة فيها.
الشيخه فادية و الشيخه نبيله
المبادرة هي مبادرة كويتية تهتم بالطالبات من خلال إبراز مواهبهم في شتى المجالات، وذلك لتمكين امرأة الغد عن طريق الاستثمار في طالبات اليوم باكتشاف مواهبهم وتنميتها بما يعود عليهم ولمجتمعهم بالفائدة والنفع، وخلق جيل واع عن طريق التشجيع على البحث العلمي وإظهار مهارات التفكير واإلبداع في مجال المعرفة من خلال أنشطة علمية وثقافية متنوعة.
وللمبادرة عدة اهداف منها تنمية مهارات البحث العلمي والإبداع لدى الطالبات، وتنمية روح العمل التعاوني بين المشاركات، بالإضافة الى غرس الولاء الوطني من خلال دعم مشاريع وابتكارات بناءة تخدم المجتمع، وهذا كله يسعى الى تنمية بشرية مستدامة للطالبات من خلال توعية أكاديمية ومجتمعية .
تستهدف مسابقة الشيخة فادية السعد الصباح العلمية ثالث مراحل دراسية وهي:
أولا: طالبات المرحلة الثانوية من خلال اعداد مشاريع علمية قائمة على حل المشكلة وفق منحى STEAM بحيث تختار الطالبات تحدي أو مشكلة يرغبن في الوصول لحل لها من خالل مشروعات علمية وابتكارات رائدة تخدم البشرية بشكل عام .
ثانيا: طالبات المرحلة المتوسطة من خلال اعداد مشاريع علمية تخدم البيئة وفق منحى STEAM بحيث تقوم الطالبات بتصميم وبناء مشروع يخدم المجتمع مثالي ببيئاته المختلفة وتستمد أفكارهن من مشكلات أو تحديات مستمدة من أرض الواقع سواء كانت توليد للطاقة من المصادر البديلة أو زيادة المساحة الخضراء أو إعادة التدوير وغيرها ومعالجتها من خلال المشاريع العلمية .
ثالثا: طالبات المرحلة الابتدائية من خلال تأليف قصص من الخيال العلمي وفق منحى STEAM بحيث تكتب الطالبات قصة من الخيال العلمي وتوسيع أفق الخيال لديهم وذلك لتنمية روح القراءة والكتابة، وخاصة أنَ قصص الخيال العلمي في أحد أفرع القصص التي تتحدث عن التقنية والمستقبل وله ارتباط وثيق بمبادئ العلوم ويتم عرضها بشكل فني إبداعي مبتكر.
أهداف المسابقة والمبادرة هي نفس أهداف الأمم المتحدة والتي تنص على تأسيس شخصية امرأة قوية قادرة على اتخاذ القرار المناسب. إن إنهاء جميع أشكال التمييز ضد النساء والفتيات ليس فقط حقا أساسيا من حقوق الإنسان، بل إنه ضروري لمستقبل مستدام.
ما هي التحديات التي واجهت الشيخة نبيلة في إدارة دفة هذه المبادرة والمسؤوليات المناطة إليها؟
منذ بداية مبادرة إبتكار عام ١٩٩٩ ونحن نتطور إلى الأفضل والآن مسابقة الشيخة فادية السعد العلمية مع طالبات المدارس داخل وخارج الكويت أحرزت نجاحا لافتاً على مستوى الوطن العربي لكونها ترتكز على المساهمة في وضع إستيراتيجيات وخطط تربوية وتكنولوجيا تعمل على تمكين المرأة في المجال العلمي بما يتوافق مع احتياجات العصر، وهذا يتطلب المزيد من الجهد والدقة في اختيار البرامج المقدمة والتي تعمل على تنمية قدرات الطالبات .
ومنذ أن سلمتني والدتي إدارة مبادرة إبتكار ومسابقة الشيخة فادية السعد العلمية، سعيا لطرح الأفكار الشبابية وإفادة المبادرة بتلك الأفكار وأنا أسعى للتطوير بأهداف جديدة وهو ما وضعني في سدة المسؤولية خاصة في إختيار نوع الدورات وأهدافها وكذلك المحاضرات وورش العمل وتنظيم المسابقات التي لم تمنعنا جائحة كورونا من استمراريتها حضوريا وافتراضيا تحت مظلة مبرة السعد للمعرفة والبحث العلمي.
هل هناك أي مبادرات عالمية قمتم بها خارج الكويت؟
بالشراكة مع "globalwiin”شبكة المخترعات والمبتكرات العالمية أطلقت مبرة السعد “mewiin”شبكة الشرق الأوسط للمخترعات والمبتكرات والتي تعمل على تمكين النساء في الشرق الأوسط لمساعدتهن على تحقيق التقدم في مختلف المجالات التكنولوجية والاقتصادية من خلال تبادل الخبرات وإيجاد الفرص للمخترعات لتطوير مشاريعهن وتسويقها عالمياً بالإضافة إلى تثقيف وتوجيه النساء إلى الأساليب الصحيحة التي تدعمهن لتحقيق أهدافهن من خلال إقامة ورش العمل والندوات بالتعاون مع الشركات والكيانات العالمية .
إلى ذلك تحرص الشبكة على إقامة حفل توزيع جوائز ابتكار “ mewiin” سنوياً، وهي مسابقة للمبتكرات والمخترعات من النساء في شتى المجالات تتيح لهن عرض إبداعاتهن من جميع أنحاء الشرق الأوسط ،ثم عالمياً من خلال المشاركة في "globalwiin”.
وسعدنا باستمراريتنا العام الماضي رغم ظروف جائحة كوروناعلى مستوى العالم حيث تمكنا من إقامة أول مسابقة على المستوى الشرق الاوسط بالتواصل المرئي بدءاً من التحكيم ووصولاً إلى الحفل النهائي لتوزيع الجوائز . وأحيي الادارة الشابه لابنتي الشيخ نبيلة وفريق عملها على هذا الجهد المبذول.
هل يمكن أن تبوحي لنا بأحد أسرارك الخاصة فيما يتعلق بالأناقة والجمال؟
الأناقة والجمال من الروح وليس باللباس فالبساطة والقناعة هي قمة الجمال (الأقل هو الأكثر) فالإنسان يجب ألا يكثر من أي شئ فالأناقة ليست باللبس وإنما بروح الانسان وتصرفاته وبتفكيره وطريقة كلامه والتعامل مع الناس فالإنسان يكون أنيق بناحية متكاملة.
إلى أي مدى يشكل التراث والتاريخ مصدر إلهام لك في الموضة ونمط حياتك؟
عندما أقرأ كتب التاريخ أتعلم من الفن العالمي والعربي الكتابة – الشعر – اللغة – البلاغة من ناحية التاريخ العالمي أقرأ في كل المجالات واعتبر نفسي قارئة جيدة بالتاريخ والأدب العربي والبلاغة. القرآن الكريم هو قمة البلاغة العربية والتراث والتاريخ. وما يزعجني هو التمسك بالعادات والتراث المرتبط بالتقاليد البالية التي ال تمت للإسلام والدين بصلة لكنها موروث ثقافي للأسف بعضه يمت للجاهلية أكثر ما يمت للإسلام فيجب أن ينبذ .
إذا كان بإمكانك تغيير شيء واحد في الموضة ، فماذا سيكون؟
للأسف وصلنا إلى مرحلة من التكلف والإسفاف الفكرى بأن نقلد ما يأتى من الغرب بصورة مباشرة دون النظر إلى عاداتنا وتقاليدنا وديننا. فالحجاب على سبيل المثال به الغاء كامل للماديات فجميع النساء بالحجاب متساويات وهذا ما ينص عليه ديننا وهذه فلسفة الحجاب في الاسلام وليست حجب التفكير أو تقييد للمرأة بالعكس فهو انطلاقة للمرأة.
من يوميات وعادات الشيخ سعد وعائلته.
وقالت الشيخه فاديه
كان الشيخ سعد – رحمه الله – يبدأ يومه باكرا، فوجبة الإفطار كانت في السابعة من كل صباح مع جدتي. كونه مسؤول كبير في الدولة كان يومه مزدحم بالاجتماعات والمسؤوليات المناطة له. ولكن بالرغم من ذلك كان شديد الحرص علي قضاء فترة وجبة الغداء مع أسرته كل يوم. أما خلا عطلة نهاية الأسبوع فكان يحرص على قضائه سويا مع العائلة، فقد كان يؤخذنا بنزهات في السيارة والتي كان يقودها بنفسه. ولا أنسى ردة فعل الناس عندما يلمحونه في السيارة وخاصة عندما يتوقف عند إشارة المرور الحمراء، حيث كان الناس يقومون بتحيته أو نقر بوق السيارة بسعادة وكان يرد على الجميع من غير استثناء، تمتع بالتواضع والطيبة التي كسبت حب شعبه، ووزع وقته قدر المستطاع كأب. كان يميل للصمت وكنت دائما احاول أن اضحكه بحركاتي وكلامي لأني ما كنت أطيق صمته. أدركت بأنه كان يحمل هموم الدولة على عاتقه ولكن كان يحاول آن يخفيها بصمته. فكل يوم كان يمر علي في حياة والدي رحمه الله كنت أعتبره يوماً دراسياً جديداً في حياتي. كنت شديدة الالتصاق به.
وكان والدي انسان كتوم وحريص على خصوصيته جدا. حتي في جلساته مع أسرته وأصدقائه المقربين مثل العم عبدالله الكليب وحمد الرجيب وفهد الدويري ومحمد خلف. كان لا يقبل التصوير إلا بالكاميرا الفورية (بولورويد) حتى لا يتم تحميض صورنا الخاصة في أماكن أخرى.
كانوا أصدقاء والدي ومرافقيه - رحمه الله عليهم جميعا - يقضون نهاية الاسبوع معنا، وأحاديثهم وذكرياتهم اعتبرها كنز معلومات. كانوا يحبون المقالب الخفيفة للتسلية وبكل بساطة بدون تصنع ولا تزلف. لقد ربيت على يد شخصيتين غير عاديتين سعد العبد الله ولطيفة الفهد. حتى بعد التحرير الكويت، اصرت والدتي أن نرجع معه جميعنا. وعشنا احلى الأيام بعد التحرير بكل تفاصيلها الحلوة والمرة بكل معني الكلمة.
و عند سؤالنا للشيخه نبيله عن ذكرياتها مع جدها الشيخ سعد الله يرحمه قالت
يعجز القلم عن تسطير ما أكنه من محبة وتقدير لأبوي سعد - رحمه الله - الذي كان لي بمنزلة المعلّم الأول في هذه الحياة؛ و خاصةً ايام الاعياد سواء كان عيد الفطر او عيد الاضحى المبارك. هذه الذكريات التي تذكرني بأجمل الأيام التي قضيتها مع أبوي في طفولتي، أسترجع شريط الذكريات الجميلة عندما تجتمع العائلة علي طاولة غداء العيد والجميع مبتهج بهذه المناسبة و بلم شمل العائلة من كبار وصغار. نهنئ بعضنا بقدوم العيد. وكان أبوي سعد - رحمه الله - له طريقة مميزة لإسعادنا بيوم العيد، فقد كان يخط اسم كل واحد منا على ظرف وينادي كل واحد منا على حسب العمر من الأكبر إلى الأصغر، وعندما يحين دوري واسمعه منادياً بإسمي كنت أمشي بخطوات كبيرة وسريعة من شدة الفرح وكأنني فزت بجائزة مرموقة، وهذا الشعور لمن يكن بسبب ما يتضمنه الظرف بكثر ما كان لهفة لرؤية أبوي سعد الحنون وتقبيل رأسه ومعايدته بالعيد المبارك. والجميل في الأمر إنه كان يعطي الكل نفس كمية الاهتمام والأهمية. كان بالفعل الأبو الحنون والعادل بكل ما تحمله الكلمة من معنى.