لا تنظر الفنانة فيليدا بارلو إلى الفضاء المكاني كفراغ عديم الملامح، بل يمثّل بالنسبة إليها "مادة قابلة للتشكيل. أما النحت، على اختلاف ماهيته، فيتخطى حدود التجسيم المادي ليبلغ بعداً حسياً واعياً له كينونته التي تفرض وجودها وتتفاعل مع محيطها تماماً كالإنسان".
وتستوحي تشكيلة أزياء روكساندا لموسم خريف وشتاء 2025 عناصر إلهامها من الرؤية الجريئة للمبدعة البريطانية بارلو، والتي أثّرت مقاربتها الرائدة للمادة والشكل والنحت على الجوهر الفني للعلامة. فمن خلال إعادة توظيف المواد المهملة، استكشفت بارلو مفاهيم الهشاشة والتحوّل والطابع المادي للأشياء، لتقدّم أعمالاً نابضة بالحركة والانتقال التعبيري المتواصل، أعادت من خلالها النظر في قيمة ما يتم تجاهله من عناصر وتفاصيل مخفية.
وتختتم العلامة عرض الأزياء بتسجيل صوتي لآخر مقابلة عامة أجرتها بارلو قبل أيام قليلة من رحيلها، في لحظة عاطفية لا تقتصر على تكريم الإرث العريق للفنانة، وإنما تعزز في الوقت ذاته من السرد القصصي الخاص بالتشكيلة، من خلال تسليط الضوء على محاورها الرئيسية المتمثلة في الابتكار والنسيج المادي والارتباط العاطفي. أمّا الرسومات المطبوعة، فتكشف عن مزيج فريد من التقنيات، وقد جاء تشكيلها باستعمال صور ممسوحة ضوئياً لبقايا من المواد البلاستيكية والأسطح العاكسة والورق المقوى قبل أن تتم تغطيتها بضربات فرشاة جريئة تستحضر أسلوب بارلو في توظيف الخامات مثل الورق المقوى والأشرطة اللاصقة والألوان. كما تبرز صورة تجريدية لأنثى مع طائر البجع مطبوعة فوق شرائح من حرير دوبيون، في تعبير فني يجسّد التناغم بين عالمي الفنون البصرية والأزياء الراقية.
وتركز التشكيلة في سرديتها الفنية على التوظيف الفريد للنسيج والملمس واللون، من خلال استعمال عناصر غير مألوفة من الأقمشة والألوان، بما في ذلك الشراشيب المصنوعة من نسيج رافيا والتشكيلات الزخرفية المبتكرة بأسلوب فيل كوبيه، والذي يعتمد على قص الخيوط المحاكة ضمن تكوينات غائرة لإعطاء تأثير ثلاثي الأبعاد، إضافة إلى الأزياء والقطع الداخلية والحواشي المغطاة بالكامل بالترتر كبير الحجم. كما تبرز في التشكيلة فساتين أيقونية تكشف عن بنيتها الداخلية، بينما تتناغم الخطوط الحادة والقصات الواسعة في تقسيمات الأورجانزا بكل ما تحمله من حضور أنثوي مرهف. مما يتيح تحفاً فنية تجسّد جوهر التشكيلة وتقدم شهادة بصرية على التزام العلامة بالإبداع والحرفية، لتعيد تعريف الانسجام بين التجريب والمهارة الحرفية.
وتعكس القطع الرئيسية رؤية بارلو الإبداعية، سواء مقاربتها للون كمفهوم يخفي تحت سطحه الكثير من الأبعاد، إلى جانب قدرتها على التلاعب بتلك الطبقات اللونية وإعادة ترتيبها أمام المتلقي كما يحلو لها، أو نظرتها المعمارية الفريدة، والتي تتجلى في التشكيلة على هيئة تصاميم بنائية تضيف بعداً حسياً فريداً إلى منصة العرض، حيث يتم توظيف الفراغ المحيط بالأزياء مع الكتلة لتقديم مشهد فني يجمع عالمي النحت والأزياء.
ويتم عرض التشكيلة في مبنى سبيس هاوس، وهو من تصميم المعماري ريتشارد سيفرت، حيث توفّر تفاصيله التي تجمع البساطة والعمارة الوحشية أفضل مساحة لتقديم إبداعات العلامة، لا سيما وأنه احتضن العديد من منحوتات الفنانة فيليدا بالو.
وانطلاقاً من أهمية اللون بالنسبة إليها، تعاونت العلامة مع شركة دايلون، الاسم الرائد عالمياً في مجال الألوان، والذي أضاف بعداً جديداً إلى التوليفة اللونية الجريئة والتدرجات المفضلة لدى روكساندا. وتمثّلت الشراكة في ثلاث إطلالات تم تقديمها على منصة العرض، وشملت أزياء مصنوعة من أقمشة معاد تدويرها، إذ استعانت الدار بخبرة دايلون لتجديد وإعادة ابتكار أقمشة وتفاصيل تزيينية تم استعمالها في تشكيلات سابقة من إبداع العلامة.