بقلم: ماجدة الصباح
هذه رسالتي إلى أمّي أمثال..
من يرغب منكم أن يهديها لوالدته فهي بين أيديكم... دمتم ودمتنّ لنا.
لم أتخيّل مدى صعوبة الكتابة لك إلّا حين هممتُ بذلك. كلّ الحروف أصبحت باهتة والمعاني خجلة.
بالله عليكِ، ما الذي أستطيع منحه لكِ وأنت الّتي يعجز اللسان عن وصف نبع عطائك الذي لا ينضب أو يجف.
الأمومة فكرة شاعرية، هي روح واحدة تغمر جسدين. أنت يا أمي وطني الأول، وأي تواصل معكِ، مهما كان نوعه، هو دواء لروحي. كيف لا، وكلّ الأمور الحياتية والمهام المُلقاة على عاتقكِ تقومين بها بمودّة فتغمرني سعادةٌ خالصة أنتِ مصدرها يا نبع الحنان. ولكم تمنيتُ تحقيق معجزة في حياتي بأن تعود بك السنين إلى الوراء لتصبحي من أقراني... لكُنّا صديقتين في نفس العمر نتشارك الحياة سويًّا... فما أروع الحياة برفقتك!
حسنًا! فلنتفق أن الأم هي أعظم إنسانة في حياة كل شخص، ولكنّني أقسم بربي أنكِ أنتِ الأساس وفي مقدّمة كلّ الأولويات.
وإنّ أكثر ما يبهرني هو أنّ لكِ لكل سؤال جواب! فكلمتك هي الحقّ والفصل وإن بدت الأمور في بداياتها غير ذلك.
أحبّكِ يا زهرة عمري وعقلي المُفكّر وريحانة أيامي..
أتعلمين يا أمي.. لقد بِتُّ أخشى على نفسي من نوائب الدهر كي لا أكون سببًا في جرح مشاعركِ الصادقة نحوي.
وحين أراكِ شاردة الذّهن، أودّ لفت انتباهك إلى وجودنا حولكِ، نعم نحن من أفنيتِ شبابكِ في سبيلنا وتعبك وجهودكِ لم تذهب هباءً.
هنا دموعك وأفراحك، هنا ضحكاتك ولفتاتك، كلها تزيننا بحليّ من ذكريات الماضي شغلتِها أنتِ بكلّ جوارحكِ.
ليتني، يا رقيقة المشاعر، أستطيع أن أحيطك بهالة من السكينة تُبعد عنكِ أي غمّ أو همّ، وأغمركِ بين ذراعيّ فأبرّد نارًا تأججت في قلبكِ على غياب من رحلوا وذكراهم لا زالت باقية...
اليوم أنعي كل الأمهات الراحلات وأقول لهنّ إنّ فلذات أكبادكنّ على الأرضِ بالت أرواحهم بعدكنّ وعزاؤهم ذكراكنّ وحبكنّ الذي لا يزول ولا ينتهي.
وفي الختام، لا يسعُني إلّا أن أتقدّم إليكِ بكلمة شكر لكل ما فعلتهِ من أجلي، فلولاكِ لما عرفتُ قيمة الأشياء ومعانيها.
شكرًا لأنكِ لم ترضي لي الهوان يومًا...
شكرًا لأنكِ وضعتني دائمًا في المقدّمة، ضحيتِ براحتك في سبيل راحتي...سهرتِ لأنام... عملتِ لأرتاح... خفتِ عليّ فكنتِ مصدر أماني وأمني..
أشكركِ من كلّ قلبي، فكلّ ما أنا عليه الآن من فضلكِ. لقد راعيتني بعناية وحنان فصرتُ أنا على هذه الحال. لن أنسى فضلك ما حييت. فكلّ الحب الذي نعيش به وينعم به أبنائي مصدره أنتِ يا بحرًا من العطاء وجدولًا من الحبّ لا ينضب.
شكرًا لكلّ كلمة "لا" قلتِها لي، وبجهلٍ مني اعتقدتُ أنها قسوة منكِ أن تحرميني شيئًا اخترته... ومع الوقت، أدركتُ أنّ كلّ حرمانٍ حرمتني إيّاه كان بدافع الغيرة عليّ والخوف لأجلي... فهو حرمانٌ يحمل في طيّاته الكثير من العطاء وقسوة في باطنها حنان عظيم. أنتِ يا أمي من أعطيتِ للأشياء معنى في حياتي ولولاكِ لكانت حياتي سرابًا!
أنتِ لي ذُخرٌ ولحياتي مشعلٌ يضيء دروبي المظلمة.
أنتِ نورٌ نهتدي به في غياهب المجهول ورحمة نرجوها من ربّ رحيم..